تنفق الملايين لجلب النجوم.. كيف تحقق الأندية الكبرى أرباحا؟

HAMBURG, GERMANY - FEBRUARY 06: This photo illustration shows Euro bank notes and a table soccer game on February 6, 2013 in Hamburg, Germany. Europol have uncovered evidence that hundreds of football matches were subject to corruption leaving more than 400 officials and players under suspicion of involvement. (Photo by Stuart Franklin/Bongarts/Getty Images)

مجدي بن حبيب-تونس

لم يعد التنافس في كرة القدم مقتصرا على إحراز البطولات والتتويج بالألقاب فحسب، بل تحول إلى سوق مالية قائمة بذاتها، مدارها الظفر بأضخم عقود الإعلانات واستقطاب شركات الرعاية والسباق نحو الفوز بأغلى صفقات اللاعبين.
 
فعندما انتقل النجم البرازيلي نيمار إلى باريس سان جيرمان قادما من برشلونة في الثالث من أغسطس/آب 2017 بصفقة قدرت بـ 222 مليون يورو، شهد العالم لحظة فارقة في تاريخ كرة القدم ومنعرجا جديدا انفجرت بعده صفقات انتقالات اللاعبين.

وأثار انتقال نيمار إلى النادي الباريسي جدلا متزايدا حول سر إنفاق الأندية الكبرى لمئات الملايين سنويا من أجل التعاقد مع النجوم، وكيفية تحقيق توازن مالي في ظل نفقات خيالية تفرضها المنافسة.

وجاء ترتيب الأندية الأوروبية الأكثر إنفاقا على الانتقالات قبيل انطلاق موسم 2018 ـ2019 الجاري، ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن كرة القدم الحديثة ليست سوى مجرّة اقتصادية يتسابق فيها الجميع على دفع أموال خيالية لضمان إيرادات ضخمة تتنوع مصادرها.

بين يوفنتوس وباريس
وأظهرت دراسة إحصائية نشرت في سبتمبر/أيلول الماضي، أن يوفنتوس الإيطالي حقق أعلى معدل إنفاق في صائفة 2018 بلغ 244 مليون يورو خصصت منها 105 ملايين للتعاقد مع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو قادما من ريال مدريد.

وتقدم بطل إيطاليا على باريس سان جرمان الذي دفع مالكوه نحو 235 مليون يورو لضم لاعبين جدد يتقدمهم الفرنسي كيليان مبابي بصفقة ناهزت 180 مليونا، في حين حل ليفربول الإنجليزي ثالثا بما يزيد عن 181 مليونا أمام ريال مدريد الذي أنفق 165 مليونا.

وتطرح هذه المبالغ الضخمة أسئلة بالجملة عن الموارد التي ترتكز عليها الأندية لتأمين تلك النفقات وكيف يبدع مسؤولوها في ابتكار أفضل الطرق لتحقيق أرباح إضافية وإنعاش خزائنها دون المساس بقواعد المنافسة أو فسح الطريق أمام تغوّل بعض الأندية على حساب الأخرى.

undefined

إيرادات خيالية
يعتقد الكثيرون أن الأندية الأوربية تستمد قوتها المالية من عائدات نتائجها في المسابقات ومن إيرادات بيع لاعبيها، ولكن ما خفي كان أعظم، إذ لم تعد كرة القدم ترتكز فقط على الألقاب بل أيضا على عقود الرعاية والإعلان وعائدات النقل التلفزيوني وترويج منتجات النادي التى تحمل اسمه وشعاره في شتى أنحاء العالم.

وتبدو الإيرادات التي جناها مانشستر يونايتد الإنجليزي في موسم 2017-2018 مثالا حيا على أن الألقاب لم تعد العنوان الأبرز لضمان أرباح طائلة، فرغم خروجه خالي الوفاض من الدوري الإنجليزي وسباق دوري الأبطال، حقق فريق الشياطين الحمر إيرادات قياسية بلغت 660 مليون يورو.

وحل يونايتد ثانيا خلف ريال مدريد الذي حقق أعلى إيرادات في العالم للموسم الماضي بقيمة 750 مليون يورو.

عقود الرعاية
وتتنوع مصادر أرباح الأندية الكبرى لكن أبرزها على الإطلاق عقود الرعاية والإعلانات، ففي أواخر 2017، تربع مانشستر يونايتد على عرش المعاملات المالية للأندية عالميا برقم معاملات ناهز 676 مليون يورو متقدما بشكل طفيف على ريال مدريد (675 ميونا) وبرشلونة (648 مليونا) وبايرن ميونيخ (588 مليونا).

ويدين المان يونايتد بهذه الإيرادات لعقود الرعاية التي أبرمها في السنوات الأخيرة والتي بلغت 68 عقدا تدر على النادي عائدات بقيمة 279 مليون يورو وفق دراسة نشرت بداية العام الحالي.

وحقق برشلونة إيرادات ناهزت 261 مليونا من 43 عقدا، في حين يحصل بايرن ميونيخ على 180 مليونا من 29 عقدا.

وتتهافت ماركات الملابس والتجهيزات الرياضية على إبرام عقود خيالية مع الأندية لتسويق منتجاتها والرفع من أسهمها، ففي السنوات الأخيرة دخلت شركة "نايكي" الأميركية و"أديداس" الألمانية في سباق محموم لاستقطاب النوادي.

وأبرمت "أديداس" في 2016 عقدا فلكيا مع ريال مدريد لرعاية قميص "الميرينغي" حتى عام 2026 مقابل 140 مليون يورو سنويا، في حين كشفت صحيفة "ماركا" المدريدية عن تجديد ذلك العقد حتى العام 2028 مقابل 1.1 مليار يورو وهو أعلى مبلغ رعاية في هذا النوع من العقود في تاريخ كرة القدم.

وتستأثر المؤسسات العالمية الكبرى بأكبر عقود الإعلانات مع الأندية من أجل وضع علاماتها على قمصان اللاعبين، ففي 2010 وقع نادي برشلونة عقد رعاية ضخما مع شركة الخطوط الجوية القطرية وتواصل ذلك العقد حتى العام 2017. 

undefined

عائدات النقل التلفزيوني
وتعد حقوق النقل التلفزيوني إحدى الموارد الهامة لأرباح الأندية، ويعتبر الدوري الإنجليزي الأغلى بحقوق تجاوزت سبعة مليارات دولار عن الفترة من 2016 إلى 2019، وهو ما سمح للأندية الإنجليزية بتحقيق إيرادات قياسية انعكست على قيمة التعاقدات التي أبرمتها.

وفي أواخر سبتمبر/أيلول الماضي أعلن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا) عن رفع قيمة أرباح الأندية من البث التلفزيوني لمبارياتها في دوري الأبطال والدوري الأوروبي.

كما تحقق بعض الأندية مداخيل هامة من بيع التذاكر واشتراكات الأعضاء أو ما يعبر عنه بنظام "سوسيوس".

انتقالات اللاعبين
هي إحدى المصادر التي تعتمدها الأندية لإنعاش خزائنها، ففي صائفة 2018 نجح موناكو الفرنسي على سبيل المثال في تسويق نجمه كيليان مبابي لباريس سان جيرمان بصفقة بلغت 180 مليون يورو ولاعبه "ليمار" لأتلتيكو مدريد مقابل 70 مليونا، وفي الفترة ذاتها انتقل الحارس البرازيلي أليسون بيكر من روما الإيطالي إلى ليفربول الإنجليزي مقابل 62.5 مليونا.

أرباح المسابقات
من المؤكد أن الألقاب والتتويجات تحظى بمكانة كبيرة ليس فقط لقيمتها التاريخية في سجلات الأندية، وإنما أيضا لفوائدها المالية، فالأرباح المتأتية من المشاركة في دوري أبطال أوروبا مثلا تضاعفت خلال النسخة الجارية وفق ما أعلنه رئيس الاتحاد الأوروبي للعبة السلوفيني أليكساندر تسيفرين.

ورصد "الويفا" 1.95 مليار يورو لتوزيعها على الأندية المشاركة في أمجد الكؤوس الأوروبية. ويحصل كل ناد على 25.‏15 مليون يورو نظير مشاركته، بينما ينال حامل اللقب 70 مليون يورو تقريبا.

undefined

المتاجر وبيع منتجات النادي
لم يكن مسؤولو يوفنتوس الإيطالي يعتقدون للحظة أن يوما واحدا بعد التعاقد مع البرتغالي كريستيانو رونالدو في يوليو/تموز الماضي سيكون كافيا لاسترجاع جزء هام من قسمة صفقة انتقاله.

ففي أول يوم لإمضاء الهداف التاريخي لدوري الأبطال، باعت متاجر اليوفي 520 ألف قميص لكريستيانو عبر العالم قبل أن يتواصل التهافت على منتجات وأقمصة النادي الذي يحقق أرباحا طائلة من عائدات متاجره.

رقابة قانونية
غير أن هذه الأرقام الفلكية التي تحققها الأندية الكبرى لا تعني إطلاق العنان لها للتغول وتوسيع الفجوة المالية بينها وبين الأندية الصغرى، فقد ربطت العديد من الدول حجم الأرباح بضوابط واضحة وأخضعت الأندية لقوانين ومعايير تلتزم بقواعد "اللعب المالي" النظيف الذي يرتكز أساسا على ألا يتجاوز حجم الإنفاق قيمة الإيرادات.

كما تضع رابطة الدوري الإسباني مثلا قيودا قانونية ورقابة مالية على الأندية وتصدر مطلع كل عام تقريرها المالي عن الموسم السابق لكشف المعاملات المالية ومتابعة الإخلالات الممكن ارتكابها.

وكان رئيس رابطة الليغا الإسبانية خافيير تيباس أعلن خضوع كل الأندية لخطة "الرقابة الاقتصادية"، وذلك لضمان الشفافية المالية في الإيرادات والإنفاق ولتخفيف ديون بعض الأندية لفائدة مدربيها ولاعبيها.

وفي المقابل استبعد رئيس الاتحاد الأوروبي للعبة "تسيفرين" ردم الهوة المالية بين الأندية، ملمحا في تصريحات سابقة إلى أن الاختلال سيتعمق من عام إلى آخر.

المصدر : الجزيرة