المراهنات الرياضية.. حلم الثراء يغزو عقول التونسيين

An online bet player holds a mobile phone as he bets at a betting house in Ladipo district, in Lagos, Nigeria, June 6, 2018. Picture taken June 6, 2018. REUTERS/Akintunde Akinleye

مجدي بن حبيب-تونس

قبل أن يتناول كوب القهوة ككل صباح في أحد مقاهي العاصمة تونس، يطلب نعمان الزياني من النادل ورقة "التيارسي" (قصاصة خاصة بمراهنات سباق الخيول) فيلقي عليها نظرة سريعة ثم يجلس إلى الطاولة غير عابئ بصخب رواد المقهى.

يفتح نعمان -رجل في الخمسينيات من العمر- الورقة من جديد، ويتمعن فيها قبل أن يأخذ نفسا طويلا من سيجارته ويمسك قلمه ليبدأ تعبئة القصاصة والمراهنة على الجياد الرابحة، قد تكون قصاصته هي الفائزة فيغنم ثروة تغير حياته من الشقاء والحاجة إلى السعة والثراء.

يتحدث نعمان عن "التيارسي"، وهي من ألعاب المراهنات الرياضية الشائعة في تونس والتي استقطبت شرائح واسعة وحولت إقبالهم البسيط إلى نوع من الإدمان؛ فيقول "أمارس المراهنات الرياضية منذ ما يزيد على العقدين من الزمن، ولم يأت اليوم الذي سيقلب حياتي رأسا على عقب، لكني لا أزال أحلم بالفوز رغم كل هذه السنوات من الحظ العاثر".

وعلى اختلاف أنواعها، استفحلت المراهنات الرياضية في تونس وتزايدت أعداد مدمنيها وأخذت حيزا كبيرا من حياتهم بقطع النظر عن مستوياتهم الاجتماعية.

ويرى نعمان أن هذا الإقبال المهول إنما هو نتيجة لتردي الأوضاع الاجتماعية وتفاقم البطالة ولا سيما في أوساط الشباب، قبل أن يضيف للجزيرة نت أن "الجميع يحلم بالربح ولكن جميعنا نلهث وراء سراب الثروة، لأن الغانمين منها قليلون جدا فيما أهدر الكثيرون أموالا طائلة".

يتصفح نعمان الزياني ورقة المراهنات على سباق الخيول الفرنسية في مقهى يؤمه يوميا (الجزيرة نت)
يتصفح نعمان الزياني ورقة المراهنات على سباق الخيول الفرنسية في مقهى يؤمه يوميا (الجزيرة نت)

فرحات العامري من الشبان الذين استهوتهم ألعاب "التيارسي" و"البرومسبور" (لعبة مراهنات في كرة القدم) وغيرها منذ سنوات طويلة، ولم يربح قط مبلغا ماليا من وراء هذه اللعبة ولكنه يمضي في طريق لا يعرف نهايتها.

يقول العامري "ما يربح كان الحاكم!!" (الرابح الوحيد من المراهنات الرياضية هي الحكومة)، فالمتراهنون يربحون مرة ويخسرون مرات، أما الإيرادات التي يتم اقتطاعها لفائدة الدولة فهي مرتفعة وثابتة.

ويوجد في تونس العديد من الألعاب والمراهنات الرياضية وأقدمها على الإطلاق "التيارسي"، وهي لعبة تقوم على التكهن بنتائج سباقات الخيول: السباقات التونسية والسباقات الفرنسية.

وتشرف وزارة المالية على المسابقة حيث يتم توزيع بطاقات المراهنات في 31 نقطة، ويختار المشاركون الخيول التي يراهنون عليها لاحتلال المراتب الأولى، وذلك بترقيم الخانات الخاصة بها قبل أن تصدر النتائج لاحقا.

ويحصل المتراهنون على ما بين 26 و36% من الأرباح الإجمالية، فيما يذهب النصيب الأوفر لوزارة المالية والوكالة التونسية للتضامن (المنظمة للعبة)، وتخصص عادة لأعمال اجتماعية وذات منفعة عامة.

أما مسابقة "البرومسبور" التي تشرف عليها شركة النهوض بالرياضة، فتعنى بالرهان على مباريات الدوريات الأوروبية لكرة القدم، وهي المسابقة الأضخم من حيث الإيرادات والأرباح، إذ تنظم أسبوعيا ويتراوح عدد مسابقاتها ما بين الخمسين والستين سنويا.

وبلغت إيرادات مسابقة الرهان الرياضي في 2016 و2017 ما يقارب مئة مليون دينار (نحو 38 مليون دولار)، بحسب أرقام رسمية للشركة.

وينص القانون في تونس على حصول صندوق النهوض بالرياضة على نسبة 50% من المداخيل، فيما يكون نصيب المتراهنين 35% تقريبا.

وفي 2016 تم إقرار قانون يقضي باقتطاع 25% من نصيب الفائزين، وأفرز ذلك معارضة شديدة مما دفع السلطات لإلغاء القانون بداية عام 2018.

منافع ومضار
يقول نبيل العرفاوي (27 سنة) للجزيرة نت إنه نادرا ما يمارس لعبة "البرومسبور"، مضيفا: "لست محظوظا ولا أرى دافعا قويا نحو لعبة وأستبعد أن تغير واقعي".

وخلال السنوات الأخيرة ظهرت مسابقات الرهان الموازي (غير خاضع للقانون)، والذي يتخذ من المواقع الإلكترونية الرياضية فضاء له ويمارسه أصحابه عادة في محلات عامة للإنترنت.

ويتولى المتراهنون التكهن بمباراة أو مجموعة من المباريات في كرة القدم أو كرة اليد أو التنس وغيرها، على أن يوزع صاحب المحل جزءا من الأرباح على أصحاب الإجابات الصحيحة.

بدوره اعترف عبد الناصر القاسمي أنه من المولعين بالمراهنات على الإنترنت، وأوضح أنه اكتشف بعد سنوات أن المبالغ التي أنفقها مساوية تقريبا لتلك التي غنمها من اللعبة، بحسب تصريحه للجزيرة نت.

ولا يعتقد عبد الناصر أن تلك الألعاب ستغير حياته، ولكنه يقبل عليها من باب الترويح عن النفس وجمع "مصروف الجيب" لا غير.

المصدر : الجزيرة