وسط تراجع الدوري المصري.. لماذا لا تدعم أندية الجيش والشركات نظيرتها الجماهيرية؟

جماهير المنتخب المصري
عودة الجماهير خلال مباريات المنتخب المصري الأولمبي أعادت المفارقة بين ضعف الأندية الجماهيرية مقابل أندية الجيش والشركات (رويترز)

خالد المصري-القاهرة

مع امتلاء مدرجات ملعب القاهرة في المباريات الأخيرة لمنتخب مصر الأولمبي الذي صعد إلى أولمبياد طوكيو عاد التساؤل من جديد إلى الوسط الرياضي بشأن غياب الجماهير بقرار أمني، وهو ما أثر سلبيا على مستوى الدوري واللاعبين وانعكس على مستوى الفريق الأول الذي تعادل في أول مباراتين خلال تصفيات الأمم الأفريقية.

ومع تصاعد التساؤل بشأن مستقبل الأندية الجماهيرية في ظل غياب الجماهير يشير البعض إلى تأثير الأزمة إيجابيا على أندية الشركات والمؤسسات العسكرية التي ليس لها جماهير بالأساس.

المفارقة أن هناك عشرات الأندية الجماهيرية المنتشرة في محافظات مصر، لكنها لا تجد القدرة المالية على المنافسة، مما دفع بعضها للهبوط إلى دوري الدرجة الثانية رغم أنها المصدر الأول للاعبين المتميزين في مصر، وفي المقابل تحظى أندية الشركات والمؤسسات العسكرية بقدرات مالية كبيرة دون غطاء جماهيري.

تلك المفارقة دفعت البعض للحديث بين الحين والآخر عن إمكانية توجيه تلك القدرات المالية نحو أندية المحافظات التي تحظى بشعبية مناطقية، وهو ما يمكن أن يساهم في رفع مستوى الدوري العام، وبالتالي التأثير الإيجابي على الفرق الوطنية بمراحلها المختلفة. 

ومع نهاية تسعينيات القرن الماضي ظهرت على السطح أندية الشركات الخاصة، تلتها مباشرة أندية تابعة للقوات المسلحة المصرية، وجاءت بعدها أندية تابعة لوزارة الداخلية، مما أثر سلبيا على الأندية الجماهيرية صاحبة الشعبية، بسبب اجتذاب تلك الأندية اللاعبين والمدربين بقدراتها المالية التي لا تقدر عليها أندية المحافظات.

وقبل قرار منع الجماهير كان مشهد المدرجات في مباريات الدوري والكأس "كئيبا" بسبب عدم وجود جماهير، ولم يجرؤ أحد على الشكوى، لأن أصحاب أندية الشركات رجال أعمال مقربون من السلطة، فضلا عن أندية الجيش والشرطة.

مكاسب قيادات عسكرية
مصدر أمني تحدث عن استثمار القوات المسلحة في الأندية وكرة القدم، ولماذا تصرف هذه الأموال الطائلة بدلا من توجيهها إلى الأندية الشعبية والفقيرة.

وأكد المصدر للجزيرة نت أن الخطة في البداية كانت تكريم قادة سابقين في القوات المسلحة وتسكينهم في إدارة الأندية للحصول على امتيازات مادية، حيث كانوا يختارون اللاعبين الموهوبين من الأندية المطلوبين للتجنيد وإجبارهم على اللعب لطلائع الجيش مثلما حدث مع عبد الستار صبري نجم مصر في التسعينيات وقطع رحلة احترافه في الصين، وأيمن حفني، وأخيرا عمرو جمال لاعب الأهلي.

وأضاف أن "الأمر تحول مع اندلاع ثورة يناير 2011 إلى رؤية سياسية، بعد أن امتدت أيدي القوات المسلحة إلى كل مفاصل الدولة والسيطرة عليها، والرياضة جزء أساسي من أمن مصر القومي، ويجب أن يكون لديها أكثر من نادٍ وملعب للبقاء داخل المشهد الرياضي".

مخالفة لقانون الفيفا
تنص المادة 18 في لائحة النظام الأساسي بالاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على عدم أحقية أي مؤسسة في امتلاك أكثر من نادٍ في دوري واحد، وهو ما ينطبق على الدوري المصري الذي يجمع مؤسسات الداخلية والعسكرية والبترول.

وأكد مصدر داخل اللجنة المؤقتة لإدارة الاتحاد المصري لكرة القدم أن المجلس يعمل بالفعل على تلافي هذه الأخطاء، حيث طالب الفيفا اللجنة المعينة بوضع لائحة تتماشى مع القوانين الدولية.

وأضاف المصدر للجزيرة نت "نعمل الآن على تطبيق قواعد الفيفا بصرامة، ولكن لن يتم التطبيق إلا مع بداية العام المقبل بعد استيفاء الأمر من جميع جوانبه، وعدم تضرر أي طرف".

وقال إن أندية حرس الحدود وطلائع الجيش والإنتاج الحربي هي المتضررة إن تم تطبيق القانون بحذافيره، فإن دخل الدوري المصري مرحلة الاحتراف الكامل وإطلاق لقب "المحترفين" عليه فلا بد من دمج هذه الأندية في كيان واحد.

وتابع "خرجت أندية البترول ووزارة الداخلية من الحسبة مؤقتا، نظرا لأن هيئة البترول ممثلة بنادٍ واحد فقط هو إنبي بعد هبوط بتروجت وهبوط ناديي الداخلية واتحاد الشرطة التابعين لوزارة الداخلية".

وأشار المصدر إلى أن اللجنة الحالية المكلفة بإدارة شؤون اتحاد الكرة ستكون مهمتها أكثر صعوبة، حيث سيكون عليها مخاطبة المؤسسة العسكرية لاختيار فريق واحد فقط من الثلاثة التي تنتمي إليها، وهي حرس الحدود وطلائع الجيش والإنتاج الحربي.

وفي السياق نفسه، قال خبير اللوائح بالفيفا محمد فضل الله إن الأزمة التي ستواجه اتحاد الكرة ليست في أندية البترول والجيش والشرطة فقط، بل في العمل بلائحة الفيفا 2019 التي سوف تطيح بكثير من الأندية ومراكز الشباب التي لا تتوافر فيها شروط تراخيص الأندية ولوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم.

وأوضح فضل الله للجزيرة نت أن لائحة الفيفا سوف تؤدي إلى تقليص عدد الأندية ومراكز الشباب من 258 إلى 88 أو 64 ناديا فقط، والتي يحق لمسؤوليها التصويت على أي قرارات لدى انعقاد أي جمعية عمومية عادية أو طارئة.

أزمة قانون الرياضة الجديد
وكشف مصدر داخل اتحاد الكرة أن القانون الجديد للرياضة سمح للأندية القائمة بتأسيس شركات تستحوذ على 51% من أسهمها للاستثمار الرياضي، مما جعل شخصا مثل تركي آل الشيخ يتدخل ويشتري نادي الأسيوطي ويحوله إلى "بيراميدز" ويضخ فيه الأموال بطريقة لا تناسب صرف السوق المصري.

وأوضح المصدر للجزيرة نت أن "القانون يمنع تأسيس شركات للاستثمار في الألعاب الرياضية مباشرة، بل يشترط الحصول أولا على ترخيص من مديرية الشباب والرياضة، وتأسيس أندية لها أعضاء ونشاط اجتماعي للاستثمار في الرياضة".

وأضاف "ولكن يقوم الآن المستثمرون بالالتفاف على هذا الأمر، وشراء أندية بالفعل لها تراخيص، مثل نادي مصر المقاصة الذي اشترى عضويات نادي هنداوي في الفيوم، وبيراميدز الذي اشترى الأسيوطي في بني سويف".

وأشار المصدر إلى رصد هاتين الحالتين فقط، ولكن لن يستطيع اتحاد الكرة إيقاف المزيد في حال تكرارها، نظرا لعدم مخالفتها للقانون، بل نجحت في الالتفاف عليه.

حلول ومقترحات
وعن حل هذه الأزمة وعودة الأندية الشعبية إلى الواجهة مرة أخرى والحد من انتظار ظاهرة أندية الشركات، قال المحاضر في الاتحاد الدولي لكرة القدم طه إسماعيل إن الحل يكمن في زيادة مصادر دخل الأندية، ومحاولة إيجاد نوع من الشراكة بين الأندية الشعبية والشركات.

وكشف إسماعيل للجزيرة نت أنه تقدم في وقت سابق بمذكرة إلى اتحاد الكرة الأسبق برئاسة سمير زاهر بأن تقوم هذه الشركات بالإعلان عن نفسها على قمصان الأندية الشعبية، وأن تستغل الموارد الإعلانية لها، وبالتالي يتم تحقيق المنافع المتبادلة، والإعلان للشركات، وزيادة دخل الأندية الشعبية، ولكن لم يستجب أحد لطلبه.

ويرى الخبير الرياضي أن الحل لمواجهة توحش أندية الشركات والمؤسسات في مصر هو زيادة مصادر الدخل للأندية الشعبية والجماهيرية عن طريق ثلاثة حلول، الأول عودة الجماهير للمدرجات، وبالتالي ستكون هناك مبيعات عالية للتذاكر، وفي حالة وجود ملعب لكل نادٍ ستبيع تذاكر أكثر وبالتالي تزيد إيراداتها، وفي ظل حرمان الجماهير من حضور المباريات في مصر يعتبر بند التذاكر غير موجود ولا تعتمد عليه مجالس الإدارات.

أما الحل الثاني في رأي إسماعيل فهو البث التلفزيوني، ففي ظل وجود جماهيرية طاغية للأهلي والزمالك في مصر تعد حقوق البث التلفزيوني لهما هي الأكبر بين باقي الأندية، الأمر الذي يقل تدريجيا مع الأندية الشعبية مثل الاتحاد والإسماعيلي والمصري وصولا إلى أندية الشركات.

وأشار إلى أن الحل الثالث هو بناء متاجر خاصة للأندية مثل أوروبا والمملكة العربية السعودية، حيث إن لكل نادٍ هناك متجرا خاصا به وبمنتجاته يبيع القمصان والقبعات والشارات وغيرها من السلع التي تدر عائدا كبيرا على تلك الأندية.

المصدر : الجزيرة