برشم: بالإصرار والتحمل أنجزت مشروع البطل العالمي في الوثب العالي

تتويج برشم في الدوحة الأغلى في مسيرته
برشم يتوج بذهبية بطولة العالم بالدوحة (الجزيرة)

محمد السيد–الجزيرة نت

لم يكن القطري معتز برشم -بطل العالم في الوثب العالي- يعلم أن مرافقته منذ صغره لوالده في تدريبات العدو وسباقات اختراق الضاحية؛ ستكون سببا في شغفه وحبه لممارسة الرياضة التي غيّرت حياته تماما.

فترة زمنية قليلة قضاها برشم في السير على نهج أبيه وممارسة العدو، ولم يجد فيها نفسه، ليقرر الانتقال إلى رياضة الوثب العالي المليئة بالإثارة والحيوية، ويصبح أحد أبرز أيقونات هذه الرياضة، وبات الوحيد الذي يحرز ذهبية هذه المسابقة في بطولة العالم مرتين متتاليتين.

ويوضح برشم -الذي مرت حياته بمحطات فارقة صنعت نجوميته- أن بدايته كانت مع رياضة الجري مثل والده بنادي الريان، ولكن النتيجة لم تكن مشجعة، حيث لم يشعر تجاهها بأي شغف، في حين جذبته رياضة الوثب العالي بحركاتها الشيقة ومتعة القفز على الترامبولين وفي الرمال.

‪برشم كافح كثيرا حتى وصل إلى لقب العالم‬ (الجزيرة)
‪برشم كافح كثيرا حتى وصل إلى لقب العالم‬ (الجزيرة)

ويقول برشم للجزيرة نت إن بدايته لم تكن جيدة في الوثب العالي، حيث كان هناك من هم أفضل منه، ولم يشعر بأنه يمتلك أي موهبة تميزه، لكن مدربه حلمي أبو سلامة شجعه كثيرا ليكمل ويتميز، وكذلك والده الذي طالبه بالتحلي بالصبر.

وكانت وفاة جده لأبيه محطة مهمة في حياة برشم، التي كانت بمثابة الدافع في تحقيقه التميز الرياضي من أجل إسعاد أبيه وإخراجه من أحزانه، ليتمكن بعدها من اجتياز ارتفاع المترين للمرة الأولى وعمره 16 عاما، ثم انضم مباشرة بعد ذلك لأكاديمية أسباير لتبدأ طفرته الرياضية، واكتملت شروط البطل الرياضي في معتز بما تلقاه في أسباير من رعاية تربوية صقلت شخصيته، ووسعت مداركه، ومكنته من مهارات التخطيط وتحمل الضغوط والصبر في سبيل تحقيق الأهداف الكبرى.

موهبة نادرة
وعقب تخرجه من أكاديمية أسباير بشهادة الثانوية العامة، وتلقيه ما يكفي من التعليم الجيد والتدريب الاحترافي مع نخبة من مدربي ألعاب القوى في الأكاديمية؛ جاءت مرحلة ما بعد التخرج، حيث التقى مدربه السويدي ستانيسلاف تشيتشيربا، الذي لعب دورا كبيرا ومميزا في إتمام صقل موهبته، إيمانا منه بأن معتز مشروع بطل عظيم.

ويضيف برشم أنه رغم تميزه في أكثر من رياضة في صغره، خاصة كرة القدم، فإن تعلقه بالوثب العالي جعله مع مرور الوقت يتخلى عن اللعبة الشعبية الأولى التي أقبل عليها أغلب أصدقائه.

وكانت المحطة الأهم في مسيرة برشم الرياضية عندما التقى في أسباير مدربه السويدي ستانيسلاف تشيتشيربا، الذي لعب دورا كبيرا في حاضره ومستقبله، فقد آمن بموهبته وراهن عليه، وأوقد جذوة الأمل والرجاء لديه، عندما أخبره بأن لديه موهبة نادرة، وأنه مشروع بطل عظيم.

ونضجت ثمرة التعاون بين برشم ومدربه سريعا؛ فبعد عام واحد تُوج بذهبية كأس العالم للشباب بكندا 2010، وهو ما اعتبرها برشم وقتها مفاجأة غير متوقعة، لكنه بعدها آمن بنفسه وقدراته، وبدأت طموحاته في العالمية تناطح السحاب، وآثر تأجيل دراسته الجامعية ليتفرغ لإنجاز مشروعه الاحترافي في رياضة الوثب العالي وتحقيق مشروع البطل العالمي الكامن داخله.

ويعتبر برشم (28 عاما) أن مدربه تشيتشيربا بمثابة والده الثاني، حيث يتدرب معه منذ عشر سنوات، تمكن خلالها من التطور والاستفادة من خبراته الطويلة وبطولاته المتعددة التي حققها على مدار خمسين عاما.

برشم استفاد من خبرة مدربه في تطوير مستواه (الجزيرة)استفاد
برشم استفاد من خبرة مدربه في تطوير مستواه (الجزيرة)استفاد

ولم يسلم برشم مثل الكثير من الرياضيين من الإصابات التي طاردته كثيرا، التي كادت أن تتسبب في اعتزاله أكثر من مرة، وفقدانه القدرة على المشي، إذ تعرض لإصابة خطيرة في الظهر عام 2012، لكنه لم يستسلم بدعم من مدربه، وبذل جهدا كبيرا في التدريبات للتعافي قبل أولمبياد لندن، ليحقق الظاهرة الشابة المستحيل ويحصل على الميدالية البرونزية في أولمبياد لندن، ثم فضية بطولة العالم في موسكو 2013 وفضية أولمبياد ريو 2016.

ويشدد برشم على أن الإصابات في رياضة الوثب العالي مختلفة تماما، حيث إن خطورتها كبيرة، وقد يفقد الرياضي بسببها قدرته على استخدام جسده مرة ثانية، وعدم قدرته على المشي، وهو ما كاد أن يدفعه للاعتزال في أكثر من موقف، لكنه واصل مسيرته في المضمار بفضل إرادته وإصراره، مع دعم مدربه وأسرته.

بلا هزيمة
وكان عام 2017 الأفضل في مسيرة برشم، حيث خاض فيه 11 منافسة، وحقق الفوز فيها جميعا، ليحتكر جوائز الموسم بعد فوزه بجائزة أفضل رياضي في العالم خلال احتفالية الاتحاد الدولي لألعاب القوى السنوية، وأفضل رياضي في آسيا، الممنوحة من اتحاد اللجان الأولمبية الوطنية، وأفضل رياضي عربي.

ويؤمن برشم بمتابعة الشغف والعمل الجاد بكل تفان للنجاح، وأن الصبر هو المفتاح لأن العديد من التحديات ستأتي على طول الطريق، وأنه لا بد من السقوط عدة مرات خلال الطريق نحو تحقيق الإنجاز، لكن الشيء الأكثر أهمية هو الوقوف مرة أخرى بكل قوة والعمل بجدية أكبر من أجل ذلك.

وحقق برشم -صاحب ذهبية مونديال لندن 2017- نجاحا مظفرا في آخر محطاته بعد رحلة تعاف طويلة من إصابة في أربطة الكاحل تعرض لها في يوليو/تموز 2018، مما أبعده عن المضمار لعام، لكن كل الأوجاع والآلام اختفت بمجرد بدء المنافسة في الدوحة، ونزوله أرض ملعب خليفة الدولي وسط آلاف المشجعين القطريين الذين دعموه وألهبوا حماسته بالهتاف له.

ويروي برشم لحظات تتويجه بالذهب في مونديال قطر "لم أكن مستعدا بنسبة 100%، لكن مع كل هؤلاء المشجعين الذين كانوا يهتفون لي نسيت كل شيء، قاتلت بكل ما أوتيت من قوة من أجل الانتصار، لا يهم ما يحدث إذا أصبت، فهذه قد تكون منافستي الأخيرة. أخفقت مرتين وعلى وشك المغادرة، قفزة واحدة تحمل كل الأحلام، مدتها دقيقة ونصف مرت كالدهر لكن بنجاح".

‪ذهبية عالمية جديدة لبرشم في الوثب العالي‬ (الجزيرة)
‪ذهبية عالمية جديدة لبرشم في الوثب العالي‬ (الجزيرة)

ويقول البطل القطري -الذي يملك ثاني أفضل قفزة وقدرها 2.43 متر بفارق 2 سنتيمتر عن الرقم القياسي العالمي- إن نصف حياته قضاها في الرياضة، بعيدا عن الأهل والأصدقاء، وإن تحقيق الإنجازات لا يتم من دون التضحيات، وهو ما يخطط له بذهبية في أولمبياد طوكيو 2020، ولقب ثالث في بطولة العالم بمدينة يوجين الأميركية 2021.

‪برشم يملك ثاني أفضل قفزة في التاريخ وقدرها 2.43 متر‬ (الجزيرة)
‪برشم يملك ثاني أفضل قفزة في التاريخ وقدرها 2.43 متر‬ (الجزيرة)

المصدر : الجزيرة